Sabtu, 07 April 2012

KAEDAH AL-IBAHAH


حول قاعدة الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد دليل التحريم
محمد صدّيق الجاوي

هذه القاعدة قديمة مشهورة تكلم فيها العلماء من مذاهب مختلفة واستعمل بها لاستخراج الأحكام الشرعية في مجالات الحياة المتعددة. يقول الحافظ بن حجرفي شرح قول النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((إِنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ )) : َفِي الْحَدِيث أَنَّ الأصْل فِي الأشْيَاء الإِبَاحَة حَتَّى يَرِدَ الشَّرْعُ بِخِلافِ ذَلِكَ. بن حجرالعسقلاني ، فتح الباري 20\341

يقول الإمام بن رجب الحنبلي في شرح ذلك الحديث : هذا يدلُّ على أنّ ما لم يجِد تحريمه ، فليس بمحرَّمٍ ، وكذلك قوله : { وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} (الأنعام : 119)  ، فعنفهم على تركِ الأكل ممّا ذُكِرَ اسمُ الله عليه ، معلِّلاً بأنَّه قد بيَّن لهمُ الحرامَ ، وهذا ليس منه ، فدلَّ على أنَّ الأشياء على الإباحة. بن رجب الحنبلي ، جامع العلوم والحكم 30\21.  
يقول صاحب تحفة الأحوذي في شرح قول النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((الْحَلالُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ مِمَّا عَفَا عَنْهُ)) : وَفِيهِ أَنَّ الأصْلَ فِي الأَشْيَاءِ الإِبَاحَةُ، ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : { هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا } (تحفة الأحوذي 4\416)

وقد بوّب الإمام الشوكاني في نيل الأوطار: كِتَابُ الأَطْعِمَةِ وَالصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ بَابٌ فِي أَنَّ الأصْلَ فِي الأَعْيَانِ وَالأَشْيَاءِ الإبَاحَةُ إلَى أَنْ يَرِدْ مَنْعٌ أَوْ إلْزَامٌ. وأورد في هذا الباب أحاديث منها حديث سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : (( إنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا ، مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ عَلَى النَّاسِ فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ ))الشوكاني ، نيل الأوطار 12\443.

يقول صاحب مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (من الحنفية): وَاعْلَمْ أَنَّ الأَصْلَ فِي الأَشْيَاءِ كُلِّهَا سِوَى الْفُرُوجِ الإِبَاحَةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا } وَقَالَ تَعَالَى { كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالا طَيِّبًا } وَإِنَّمَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ بِعَارِضِ نَصٍّ مُطْلَقٍ أَوْ خَبَرٍ مَرْوِيٍّ فَمَا لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ الدّلائِلِ الْمُحَرِّمَةِ فَهِيَ عَلَى الإِبَاحَةِ.مجمع الأنهر8\263.

ويقول الإمام محمد أمين صاحب حاشة ابن عابدين (من الحنفية) في حكم شرب الدخان ردا على القائل بالحرمة أو بالكراهة له : فإنهما حكمان شرعيان لا بد لهما من دليل ولا دليل على ذلك فإنه لم يثبت إسكاره ولا تفتيره ولا إضراره بل ثبت له منافع فهو داخل تحت قاعدة الأصل في الأشياء الإباحة، وأن فرض إضراره للبعض لا يلزم على كل أحد... محمد أمين، حاشة ابن عابدين 6\459

 ويقول الإمام السيوطي (من الشافعية) : قاعدة الأصل في الأشياء الإباحة حتى يدل الدليل على التحريم، هذا مذهبنا. ثم ذكر الإمام السيوطي أحاديث تدل على هذه القاعدة  منها قوله  صلى الله عليه وسلم  ما أحل الله فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو فاقبلوا من الله عافيته فإن الله لم يكن لينسى شيئا أخرجه البزار والطبراني من حديث أبي الدرداء بسند حسن... ثم يقول الإمام السيوطي : وَيَتَخَرَّج عَنْ هَذِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُشْكِلِ حَالُهَا : مِنْهَا : الْحَيَوَانُ الْمُشْكِلِ أَمْرُهُ ، وَفِيهِ وَجْهَانِ : أَصَحُّهُمَا الْحِلُّ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمِنْهَا : النَّبَاتُ الْمَجْهُولُ تَسْمِيَتُهُ قَالَ الْمُتَوَلِّي يَحْرُمُ أَكْلُهُ وَخَالَفَهُ النَّوَوِيُّ وَقَالَ الْأَقْرَبُ الْمُوَافِقُ لِلْمَحْكِيِّ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي الَّتِي قَبْلَهَا الْحِلُّ.السيوطي، ألأشباه والنظائر ص 60.

وجاء في شرح الأشباه والنظائر في مَسْأَلَةُ الزَّرَافَةِ أن مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ حِلُّ أَكْلِهَا عملا بالقاعدة. (غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر1\470). وقال عبد الحميد حكيم في مبادئ أولية في مَسْأَلَةُ الزَّرَافَةِ أن السبكي قال أنه أكلها لأن الأصل الإباحة.عبد الحميد حكيم ،مبادئ أولية ص 48.  

يقول صاحب مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى (من الحنابلة) عند بيان حكم الْقَهْوَةِ وَالدُّخَانِ : وَإِنَّمَا كُلُّ عَالِمٍ مُحَقِّقٌ لَهُ اطِّللاعٌ عَلَى أُصُولِ الدِّينِ وَفُرُوعِهِ... لا يُجِيبُ إلأ بِإِبَاحَتِهِ ؛ لأنَّ الأَصْلَ فِي الأَشْيَاءِ الَّتِي لا ضَرَرَ فِيهَا وَلا نَصَّ تَحْرِيمٍ الْحِلُّ وَالإِبَاحَةُ حَتَّى يَرِدَ الشَّرْعُ بِالتَّحْرِيمِ لا الْحَظْرِ . مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى 18\212.

فبهذا النقول يتبين أن هذه القاعدة مشهورة ومستعملة عند العلماء خصوصا عند الشافعية، وقد جاء في غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائرأن هذه القاعدة َهي عند مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وذكر قولا أخرعند أبي حنيفة بأن الأصل في الأشباء التَّحْرِيمُ حَتَّى يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى الْإِبَاحَةِ.  وذكرأيضا َقولا أخرعند بَعْضُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ أن الْأَصْلُ فِيهَا الْحَظْرُو َقولا أخرعند بَعْضُ أَصْحَابه أن الْأَصْلُ فِيهَا التَّوَقُّفُ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ حُكْمٍ.غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر1\470.

وبالنسة للقول بأن الأصل  في الأشياء الحظر أو التوقف فواضح أن هذا القول غلط، وسبب الغلط جاء من عدم تفريقهم بين حكم الأشياء قبل وُرود الشَّرع و بعد وُروده. يقول الإمام ابن رجب الحنبلي مبينا هذا الغلط :  واعلم أنَّ هذه المسألة (أي مسألة قاعدة الأصل في الأشياء) غيرُ مسألةِ حُكم الأعيان قبل وُرود الشَّرع : هل هو الحظرُ أو الإباحة ، أو لا حُكم فيها ؟ فإنَّ تلك المسألة مفروضةٌ فيما قبل وُرودِ الشَّرع، فأمَّا بعد وُروده فقد دلت هذه النُّصوصُ وأشباهُها (أي مثل سورة الأنعام : 145 و 119) على أنَّ حكم ذلك الأصل زال واستقرَّ أنَّ الأصل في الأشياء الإباحة بأدلَّة الشَّرع . وقد حكى بعضُهم الإجماع على ذلك ، وغلَّطوا من سوَّى بين المسألتين ، وجعل حكمهما واحداً. ابن رجب الحنبلي، جامع العلوم والحكم 20\31. والله تعالى اعلم.



0 komentar: